من أنا

صورتي
أنشئت هذه المدونة بناء على رغبة بعض الأحبة المخلصين الأوفياء؛ حتى تتسع دائرة مشاركاتي المتنوعة على الشبكة العنكبوتية؛ ولتعم الفائدة، وأيضا ليتدرب صاحبها على الكتابة الإبداعية ويستفيد من العلماء والباحثين الآخرين من دراساتهم وبحوثهم العلمية القيمة. فهذه المدونة تحتضن -إن شاء الله- الكتابات العلمية والأدبية والفكرية وتعرضها على قرائها الأجلاء، وتسمح لهم بالتعليق والرد والنقد البناء المنصف الذي يقصد من ورائه العلم والحق، ويتشرف بكل المداخلات العلمية والفكرية من قبل المتابعين.

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 20 أكتوبر 2019

"أنا... والعربية" (تجربة شخصية)


بسم الله الرحمن الرحيم
"أنا... والعربية"
(تجربة شخصية)  
                                                       
                                                                         عزیر رشید الریاضی
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي العربي المبين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
للغة العربية أهميتها الفريدة، من بين لغات العالم العديدة، ولا تقارن مع أي لغة في العالم؛ منتشرة كانت
 أو منحصرة، فبها انبرت الدنيا ، وإليها تعود في الجنة ، نظر إليها الناس باحترام في كل زمان،
 وأبهرهم انتشارها في كل مكان؛ لأنها لغة الإسلام والقرآن، فهي التي لا يعذر مسلم في عدم معرفتها؛
 لأنها لغته في العبادة، وعنوان حياته بالسعادة، ويستوي في تعلمها الأعجمي والعربي، ويكلف بها              الشرقي والغربي، ولذلك لها انتشار شديد، حيث يلتحق بها كل يوم متحدث جديد، وأنا واحد من محبيها
 من القلب الصميم، فأبذل في هواها عمري كالكريم.
ولا يخفى على أولي الألباب ما لهذه اللغة من أهمية عظمى ومكانة عالية في حياة المسلم؛
 لأنها لغة القرآن الكريم والوحي، قال الله تعالى عنه: ﴿بلسان عربي مبين ﴾[الشعراء:95]؛ 
بل هي جزء من دينه لأنه لا يمكن أن يقوم إسلامه إلا بهذه اللغة ، كما أنه لا يجوز له أن يقرأ القرآن 
إلا بها، وقراءة القرآن ركن من أركان الصلاة، وهي ركن من أركان الإسلام.
واللغة العربية أوسع اللغات من حيث أساليب الوضوح والبيان، وسهولة النطق على اللسان،
 وجمال الوقع على الآذان، وسرعة الحفظ ووعي الجنان، وقد عبر الشاعر حليم دموس عن هذه الميزة بقوله:
                  لغة إذا وقعت على أسماعنا            كانت لنا بردا على أكباد
وقد شهد بذلك العالم الفرنسي " وليم مرسيه" فيقول: "العبارة العربية كالعود إذا نقرت على أحد
 أوتاره رنت لديك جميع الأوتار وخفقت، ثم تحرك اللغة في أعماق النفس من وراء حدود المعنى المباشر
 موكبا من العواطف والصور".
وكذلك اللغة العربية هي أغزر اللغات من حيث المادة اللغوية والجذور الأصلية، كما قال 
الإمام الشافعي–  رحمه الله- :"لسان العرب أوسع الألسنة مذهبا، وأكثرها ألفاظا، ولا نعلمه يحيط 
بجيمع علمه إنسان غير نبي... والعلم به عند العرب كالعلم بالسنة عند أهل الفقه، لا نعلم رجلا 
جمع السنن فلم يذهب منها عليه شيء منها".
 وقال العالم الألماني فريتاج :"اللغة العربية أغنى لغات العالم".
وكذلك عبّر أمير الشعراء  أحمد شوقي عن جمال اللغة العربية بقوله:
                   إن  الذي  ملأ  اللغاتِ   محاسنًا       جعلَ  الجمالَ  وسِرَّهُ  في  الضادِ
وهي أكثر اللغات تحدثا ضمن مجموعة اللغات السامية، وإحدى أكثر اللغات انتشارا في العالم؛ يتحدثها 
أكثر من 422 مليون نسمة [موسوعة إنكارتا]. وكذلك اللغة العربية إحدى اللغات الرسمية الست في 
منظمة الأمم المتحدة، ويحتفل باليوم العالمي لها في 18 ديسمبر الميلادي كذكرى اعتمادها بين لغات 
العمل في الأمم المتحدة.
كما أنها تدرّس بشكل رسمي أو غير رسمي في الدول الإسلامية والدول الإفريقية المحاذية لها. وبما أنني أحد 
طالبي هذه اللغة الشريفة ومن عشاقها، وأحد العاكفين على التذوق بأدبها الرشيق؛ يجدر بي أن أسوّد 
بعض السطور بنبذة يسيرة عن هذه اللغة وأهميتها في بلدي وبالتالي في حياتي، فأقول:
ليس ثمة شك في أن اللغة العربية موضع احترام وتقدير لدى مسلمي الهند؛ فهم يشكلون وحدة حضارية 
مستقلة تستمد مكوناتها من التراث العربي الإسلامي وحضارة الهند العتيقة، كما أنَّ لهم إسهامات قيمة
 في إثراء التراث العربي الإسلامي، وفي بلورة دقائقها وإيضاح مسائلها قديما وحديثا. وقد بدأ استخدامها في
 الهند منذ الأيام  الأولى للفتج الإسلامي للسند في أواخر القرن الأول الهجري، وقد عُثِر على أول نقش 
عربي في الهند في جامع بالسند المؤرخ 107هـ ، ويعدّ هذا النقش من أقدم النماذج للخط العربي في
 العصور الإسلامية.
وتعد الهند اليوم من أهم مراكز الثقافة العربية الإسلامية من حيث نشرها والحفاظ عليها؛ فهي تضم في 
أحضانها مئات المعاهد والمدارس التي لها باع طويل في نشر هذه اللغة، وتعليم أبناء المسلمين آدابها
 والعلوم المنتمية إليها، بالإضافة إلى الجامعات والمؤسسات الحكومية والأهلية التي تعنى بدراستها 
من شتى جوانبها.
وعلاقتي بهذه اللغة قديمة نسبيا، وحبي لها بعيد الزمان، فقد أحببتها منذ بداية البدايات عندما 
التحقت بالمتوسطة، وقطفت بعض الورود من كتاب "أزهار العرب" للعلامة محمد يوسف السورتي الهندي، 
رحمه الله، فتسربت رائحة أدبها في عروقي، وحدث لها ارتباط بقلبي، وازداد هذا الارتباط يوما فيوما، 
حتى تعلّقتُ بها، ولِـم لا؟! فهي لغة أصح الأديان على وجه الارض، وأدل الألسنة في التعبير عن الغرض، 
وهي التي إذا نطقتَها وقف لها الكون احتراما وتقديرا، وإذا ذكرتها تذكرت ربك ورسوله، وإن نسيتها نسيت 
تراث أفضل أمة على الأديم، وإذا حذفتها حذفت هوية ملايين البشر ورمز القديم.
وإنني لما ترجح لدي أن أتخصص في اللغة العربية، وأحسن بها لساني حتى ينطلق بوضوح وبيان، فما اعتراني 
عائق في سبيلي، إلا أنني وجدت قريحتي تدفعني إلى الأمام، وتحفزني على الاطلاع على أسرارها، والوقوف 
على لطائفها، ودقائق معانيها، والتحلي بأدابها الرقيقة، وانتقاء الدرر من صدفاتها، فمشيت في طريق 
حصولها، وقضيت بعض السنين في سبيلها في بلدي (الهند)، ولما بلغت حصيلتي فيها إلى الرشد تطلعت
 إلى أخذها من أهاليها، ولعل نيتي الخالصة كانت من أهم المسوغات لأن يحظى دعائي بشرف القبول 
لدى الباري –سبحانه- حتى تطأ قدماي سهول تلك الجامعة الغراء- جامعة الإمام 
محمد بن سعود الإسلامية- وأتربع على بساط هذا الصرح المتين والقصر المشيد المنير بالمشايخ الأفاضل 
واللغويين الأماجد متلمذا عليهم، وأروي غلتي من هذا المنهل الصافي المتدفق العذب كالشلال النابع من
 أصل دوحة ليس وراءها أصل على واجهة التراب.
وكنت في بداية حياتي التعليمية في الجامعة أشعر ببطء وصول الأفكار إلى ذهني إلا بعد تحويلي لها وترجمتها
 إلى لغتي، وأعاني من قلة فهم كلام الأساتذة؛ لأنني كنت أول مرة أسمع اللغة من ألسنة أهلها، فسألت 
أحد أساتذتي –جزاهم الله عني خير الجزاء – عن هذه المشكلة، فهدأني وسلّاني وبشرني بزوالها، وتطور 
مهارة الفهم عندي بالتدريج حتى لا أشعر بذلك، وبالفعل حصل ذلك وحدَث كما حدَّث، وكيف لا
 يحصل هذا؟! إذ هي ميسرة لكل من قصدها، وابتغاها فهما لنصوص الكتاب والسنة، وقد 
أخبرنا الله –جل ثناؤه -  في كتابه عن سهولة هذه اللغة ويسرها لمتعلميها فقال:
 ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾[القمر:17] وقوله : 
﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾ [مريم:97]، فيترتب على سهولة
 الحفظ والتذكير والتذكر والاتعاظ به يسر هذه اللغة لمتعاطيها وقربها إلى طبيعتهم؛ لأن فهم المفردات 
ومعانيها أول خطوة في فهم ما هو بداخلها من الأفكار والمعاني الدقيقة.
واليوم قد صعد بي درج التزود إلى أعالي المكان الحسي وليس العلمي، وقد خضت في مجاري شتى لهذا
 المحيط العربي، راكبا على عبَّارات شراعية ودخانية، ورأيت في هذه الرحلة الطويلة جبالا وأعلاما في 
اتجاهاتهم وتوجهاتهم، وفي فنونهم وشؤونهم، وفي تجاربهم ومشاربهم، وفي عطاياهم وهداياهم للأمم.
وقد حاولت –أنا- أيضا محاكات أولئك الأعلام العظام
إلا أنني في بعض الأحيان أواجه مفردات غريبة ومصطلحات غامضة وأساليب دقيقة فأضطر إلى المراجع 
لفهم فحواها.
وفي الختام أدعو الله –سبحانه وتعالى- أن يحفظ هذه اللغة في كل مكان، وأن يهيأ لها رجالا 
يصونونها، ويحافظون على قيمها، ويجزي علماءنا الذين يسعون في حقها، ويجهدون في مصلحتها، وأن 
يوفقنا  لنشرها بمستوى وسعنا، آمين. والصلاة والسلام على النبي الكريم محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عزير أحمد عبد الرشيد
كلية اللغة العربية/ جامعة  الإمام، الرياض
                                              7/ 5/ 1437
                                      جوالي: 8874962056 0091 

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More